الوطن العربي
انتقل أبو ظهر إلى لندن ومنها الى باريس حيث استقر به المقام , وخلال تلك الفترة لم يتوقف عقله عن البحث عن وسيلة تمكنه من إصدار صحفية وظلت الفكرة تراوده حتى التقى بشقيقه زياد والذى شجعه على استئناف شغفه بالعمل الصحفى قائلا” أخى لا تتردد ابدأ الآن ” , وقد دفعته كلمات شقيقه لاتخاذ القرار الذى تأخر كثيراً .
وفى فبراير من عام 1977 أطلق مجلة الوطن العربى لتكون أول مشروع إعلامي عربي مهاجر يصدر في أوروبا، . وكان هدف المجلة هو أن تصبح منصة لجميع العرب في العالم.و صوت قوي يدافع عن القضايا العربية ويندد بانتهاكات القوى العظمى .
كما لعبت المجلة دورا ثقافيا هاما، و فتحت أبوابها لمثقفي المغرب العربي وأوروبا، في الوقت الذي لم يكن يسمع فيه قراء بلاد الشام والخليج عن أسماء الكثير منهم. ودعمت المطبوعة الأسبوعية المهاجرين العرب في القارات الخمس وقدمت لهم دليلا شاملا لمساعدتهم على الاندماج وفهم القوانين واللوائح في البلاد التي استضافتهم, فقد كانت المجلة وفية للاسم الذي حملته” الوطن العربي” . كانت ” الوطن العربي” امتدادا للمحرر وحملت نفس الروح الثورية . حيث انتهجت خطاً قوياُ معارضاً لنظام الأسد، مما أتاح مساحة كبيرة لقادة المعارضة السورية. ونتيجة لذلك، تلقى وليد أبو ظهر تهديدات بالقتل. ففي عام 1979، نجا من الموت بأعجوبة عندما أخطأت عصابة من المسلحين وقامت بطعن جاره بدلا منه . تلك الواقعة التى نجا منها الجار أيضا تعكس قوة تأثير “الوطن العربى” ومؤسسها .إن معركته من أجل القضايا العربية ومعارضته للغزو السوري للبنان جعلته هدفا للاغتيال.
و تميزت المجلة بسلسلة من الانفرادات الصحفية ،حيث كشفت عن خطط لاغتيال السفير الفرنسي في لبنان من قبل المخابرات السورية. وفي أيلول / سبتمبر 1981، اختطف السفير وتم اغتياله بالفعل . مؤكدا بذلك السبق الصحفى الذى نشرته ” الوطن العربى ” .وبعد بضعة أشهر من تلك الحادثة وتحديدا فى كانون الأول / ديسمبر 1981، تم نزع فتيل قنبلة مخبأة داخل صندوق إذاعي على عتبات مكاتب المجلة.
كل هذا لم يمنع وليد أبو ظهر والمجلة من أن يحتفظا بنفس الخط التحريرى المستقل .
وفي أوائل عام 1982، أعدت قناة “تى –إف 1 ” الفرنسي فليماً وثائقياً عن اغتيال السفير , وقررت المخابرات السورية آنذاك استهداف الوطن العربي وصاحبها.فعملت على إخماد صوتها وتدميرها عبر التحذير من خداعها وترويج مزاعم حول دورها المزودج والخفى فى لبنان وسوريا خاصة بعد مطالبة الرئيس الفرنسى ميتران للقوى الأجنبية بمغادرة لبنان بسلام .
في نيسان / أبريل 1982، أخبر وليد أبو ظهر أحد المسؤولين العرب أن هناك وحدة سورية قوامها ثلاثين قد وصلت إلى باريس وتخطط لهجوم. ولكن المسؤول لم يستطع ان يعرف الهدف من وجود تلك الوحدة وفى تلك الأثناء زاد أبو ظهر من احتياطاته الأمنية ورفع عدد حراسته الخاصة إلى 9 أفراد . وفي 21 أبريل / نيسان من نفس العام ، بث التلفزيون الفرنسي عبر قناة تى – اف 1 الفيلم الوثائقي الخاص بمقتل السفير ديلاماري. وعلق البرنامج على الاتهامات الموجهة ضد المخابرات السورية التي قدمتها الوطن العربي.
وصباح يوم 22 إبريل وتحديداً بالساعة 9.22 , انفجرت أمام مكاتب الوطن العربى بشارع ” ماربيوف ” قنبلة قوامها نحو 20 كيلو جرام كانت مخبأة بحقيبة سيارة أوبل .أسفر الاعتداء عن مقتل سيدة بريئة تدعى ” نيلي غيليرمي” وإصابة نحو 68 شخصاً , الأمر الذى كان له تداعيات على العلاقات الفرنسية السورية , وطردت السلطات الفرنسية فى وقت لاحق من العام اثنين من الدبلوماسيين السوريين.
ولم تغير تلك المحاولات السياسة التحريرية للمجلة التى استمرت فى حربها ضد التواجد العسكرى السورى فى لبنان .
كان وليد أبو ظهر من اكبر المؤيدين للعراق فى حربها ضد إيران , ووقف ضد تصدير الثورة الإسلامية للدول العربية , وقد أسهمت الافتتاحية القوية وغلاف المجلة التى طالما دعمت وعززت القومية العربية فى تغيير وجهات نظر وموقف دول بأكملها كانت مفتونة بالتجربة الإسلامية الجديدة فى إيران . فى ذلك الحين ,قال وزير جزائر ى لصدام حسين بشكل علنى وصريح ” “يجب أن تبني لهذا الرجل تمثالاً من الذهب ,فقد نجح من خلال مجلته فى تحويل دعم ومساندة الشعب الجزائرى بالكامل من إيران إلى العراق . وعندما أخبر صدام وليد أبو ظهر بالقصة ،أجاب بحسه الفكاهى المعروف ” احتفظ بالتمثال ,وأعطنى الذهب ” .
مع انتهاء الحرب العراقية الإيرانية , توترت العلاقة بين الوطن العربي والعراق عندما حاولت المخابرات العراقية التي كان يرأسها برزان التكريتي شقيق صدام حسين فرض سيطرتها على المجلة . وعرضوا على وليد أبو ظهر نحو 500 مليون دولار لإنشاء مجموعة دولية تعمل فى شتى القطاعات بدءا من البناء حتى الطاقة بحيث تكون شركة الإعلام جزءا منها وترعى المصالح العراقية فى لبنان والعالم . ولأن أبو ظهر كان قلقاً وغير مطمئن للتوسع بسياسات النظام العراقى , ولأن استقلاليته كانت الخيار الأثمن والأكثر قيمة من وجهة نظره , فقد رفض العرض , ورفض أن يتحول إلى دمية فى أيدى أى نظام .
وكان يدرك جيداً ما هى العواقب , فقد تم حظر جميع عمليات التوزيع والمستحقات المالية للمجلة من العراق. جاء ذلك في الوقت الذي تم فيه تقليص وتحجيم نفوذ جميع الناشرين المستقلين العرب لأن الحكومات الإقليمية قد بدأت في إنشاء وسائل الإعلام الخاصة بها في أوروبا.في هذه الفترة أعلنت مجلة المستقبل التى تعد عنواناً منافساً ,إفلاسها، فيما تم الإستيلاء على وسائل الإعلام الأخرى وإغلاقها واستبدالها بأخرى مملوكة للحكومات .
ورغم أن موقفه المالى كان غاية فى الصعوبة ، تمكن وليد أبو ظهر من مواصلة الإبحار واستمر في نشر آرائه الخاصة. بعد ذلك أنشأ أول وجود له في مصر، البلد الذي كان لايزال معزولا بسبب توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.
وفي عام 1990، غزا العراق الكويت. ولأنه لم يستطع أن يقبل ما فعله, النظام السوري ,من قبل ,في لبنان, فقد أدان هذا الغزو. وكان هذا الموقف نهاية للصداقة التاريخية مع العراق، وتسبب في خسائر مالية ضخمة حيث فقدت المجلة جميع مستحقاتها في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن وليد أبو ظهر من الوقوف ضد الملك سلمان بن عبد العزيز الذي كان حاكما للرياض في ذلك الوقت، وكان دائما ما يظهر دعمه وتقديره.
بعد حرب الخليج الأولى، تغيرت المنطقة ودخل وليد أبو ظهر مرحلة أكثر حكمة ونضجاً في حياته الصحفية. فقدأصبحت لهجتة أقل عدوانية وتركيزه أكثر على صنع السياسات. كان يكتب فى تلك الفترة لدعم وتعزيز التحول في المنطقة من خلال الحوار والتحليل الذاتي.
مع ذلك فإن بعض الأعداء لاينسون مطلقاً ، ففي عام 1992، تم تنظيم سطو مسلح على منزله الباريسي, فبينما سافر وليد أبو ظهر بالليلة السابقة لمصر في رحلة عمل كانت زوجته وابنه وإحدى بناته تحت تهديد السلاح من قبل ثلاثة ملثمين اقتحموا البيت بعد أن أخضعوا أمن المبنى. حتى يومنا هذا، لا أحد يعلم ما إذا كانت تلك الحادثة المحاولة الأخيرة لاغتياله أم التحذير النهائي.
خلال العقد الأخير من حياته , كانت وسائل الإعلام لاتزال تلعب دورا مهما فى حياة أبو ظهر مع مزيد من الانجازات و الإنفرادات الصحفية .فقد نشرت” الوطن العربى ” أول مقابلة صحفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحق رابين بالتزامن مع إحياء عملية السلام. كما قام بمساعدة أولاده فى تطوير عائلة كاملة من الإصدارات الصحفية (المجلات ) والتى لاتزال معروفة جيدا فى المنطقة .
بالنسبة لـ” وليد أبو ظهر ” فإن قصة مجلة الوطن العربى المعقدة هى نفسها قصة العالم العربى , فرغم المخاطر، والمؤامرات والحروب، فإنه لا يزال مرنا.